18/02/2023 - 21:44

حوار | مقاضاة إسرائيل في لاهاي على جريمة "الملاحقة" لفلسطينيي 48

د. خوري - بشارات: "جريمة الملاحقة تعتبر واحدة من الجرائم ضد الإنسانية، ولذلك عندما نلوح بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية في "لاهاي"، فإن ذلك لم يعد مجرد فقاعات إعلامية وشعارات".

حوار | مقاضاة إسرائيل في لاهاي على جريمة

(Gettyimages)

في مقال بعنوان "عندما يتوجه المواطنون العرب إلى لاهاي" نشرته صحيفة "هآرتس"، أكدت د. هالة خوري – بشارات المتخصصة بالقانون الدولي الجنائي، أن حقيقة انتهاك إسرائيل للقانون الدولي في تعاملها مع الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر لم تعد مسألة وجهة نظر بل أصبحت تستند الآن إلى أساس قضائي صلب.

وأشارت خوري- بشارات في تحليلها، إلى أن عدم المساواة التي يعاني منها المواطنون العرب في إسرائيل بمختلف نواحي الحياة لم تكن فقط نتيجة تراكم خلل أو أعطال، تنتهك مبادئ المواثيق الدولية على غرار "ميثاق رفض كافة أشكال التمييز العنصري"، مبيّنة أن الأيديولوجية المصاغة بها الخطوط الأساسية للحكومة الإسرائيلية الجديدة من شأنها أن تؤسس لمسؤولية شخصية لأعضائها بارتكاب "جريمة الملاحقة"، استنادا إلى ميثاق روما التي تعمل وفقه محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48"، د. هالة خوري – بشارات، لإلقاء مزيد من الضوء حول الموضوع واستيضاح إمكانية ملاحقة إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية لارتكابها جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في مناطق الـ48 بالذات.

"عرب 48": ما الجديد في الخطوط الأساسية للحكومة الإسرائيلية الحالية التي تؤسس لارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين داخل مناطق الـ48؟

خوري - بشارات: أنا لا أتحدث هنا عن جرائم الاحتلال والاستيطان في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، التي أصبح لمحكمة الجنايات الدولية صلاحية البت بها بعد حرب ما يسمى بــ"الجرف الصامد" عام 2014، ولا أناقش قضية توافر أو عدم توافر عناصر جريمة الأبارتهايد على جانبي الخط الأخضر أو على جانب واحد منه وهو موضوع مفتوح أيضا، ولكن اتحدث تحديدا عن جريمة "الملاحقة" داخل أراضي الـ48 والتي توافرت فيها كل أركان الجريمة بعد اكتمال ركن "القصد" أو "النية المسبقة" الذي وضح بعد تشريع "قانون القومية" وتأكد حبرا على ورق في الخطوط الأساسية للحكومة الحالية المثبتة في الاتفاقات الائتلافية.

د. هالة خوري - بشارات

وركن "القصد" مهم جدا لإثبات "جريمة الملاحقة"، ورغم أن ركن "القصد" كان واضحا في "قانون أساس القومية" وهو قانون دستوري نص صراحة على أن إسرائيل دولة لليهود فقط، إلا أن المحكمة العليا في تسويغها للقانون، عندما ردت التماسات قدمت ضده أعطت تفسيرات ربطت القانون مع قانون أساس حرية الإنسان وكرامته، بمعنى أنها فتحت الباب لتأويلات قانونية لتعويم قضية الفوقية لليهود.

ولكن الاتفاقات الائتلافية جاءت واضحة وقاطعة وجعلت قصد الملاحقة والتمييز مكتوبا وموثقا وصارخا، وأنا أقول إن هناك جريمة دولية تنطبق على حالتنا نحن فلسطينيي 48 هي جريمة "الملاحقة" دون أن أدخل في قضية الأبارتهايد.

و"الملاحقة" هي جريمة ضد الإنسانية لا تقل عن جريمة الأبارتهايد، وهم لا يحبون أن يسمعوها لأنها تثير لديهم ذكريات غير لطيفة (النازية)، ويقصد بها التمييز المنهجي بالحقوق الأساسية لشعب أو مجموعة عرقية أو دينية، وهو ما يعاني منه فلسطينيو 48 منذ قيام الدولة.

"عرب 48": هم كانوا دائما يلوحون بوثيقة الاستقلال التي تحدثت عن عدم التمييز ضد مواطني الدولة على أساس العرق واللون والدين..

خوري - بشارات: التشريعات الأخيرة التي توجت بقانون أساس القومية سحبت من أيديهم هذا الادعاء، وبات من الصعب تسويغ ذلك، كما أن الاتفاقات الائتلافية والخطوط الأساسية للحكومة الحالية، التي جرى استعراضها في ورقة موقف أصدرها مركز "عدالة" الحقوقي مؤخرا، تنص صراحة في بندها الأول، على أن "الشعب اليهودي هو صاحب الحق الوحيد وغير القابل للاستئناف على كل بقاع أرض إسرائيل"، وهي صيغة أكثر تطرفا لمبدأ مصادرة حق تقرير المصير للفلسطينيين من تلك التي وردت في قانون القومية وتشكل أساسا للخطوات الواردة في الاتفاقات التي ترسخ الفوقية اليهودية والفصل العنصري كمبادئ موجهة لنظام الحكم في إسرائيل، والتي تتمثل بالإقصاء والفصل والسيطرة وقمع الفلسطينيين من خلال تبني سياسة فصل وتمييز عنصري في كل مجالات الحياة، بدءا بالمواطنة والحياة العائلية، مرورا بتخصيص الأراضي والشقق السكنية والميزانيات وانتهاء بالتمييز في توفير الخدمات.

ويستدل أيضا أن الحكومة تنوي إقامة منظومات مختلفة لتطبيق القانون وتشريع أجهزة عقابية مختلفة أيضا، بواسطة توسيع التقييدات على حرية التعبير والنشاط السياسي المشروع ومن خلال إخراج وتجريم مظاهر التعبير عن الهوية الوطنية الفلسطينية.

"عرب 48": لا شك أن "خطة ليفين" وتقليص صلاحية المحكمة العليا يغلق الدائرة أيضا على هذه التأويلات القانونية لقضاة العليا، ويسد علينا هذا المنفذ (التوجه للعليا) ليضعنا على أعتاب محكمة الجنايات الدولية في لاهاي..

خوري - بشارات: نعم، إغلاق منفذ العليا أمامنا يغنينا عن تفسيراتها وتأويلاتها الخاصة لـ"قانون القومية" بالتوافق مع قوانين الأساس وخصوصا "قانون حرية الإنسان وكرامته"، ويقرب قضيتنا من محكمة الجنايات الدولية كما ذكرت.

وما أريد أن أوضحه أننا اليوم بعد قانون القومية والاتفاقات الائتلافية أمام أساس متين تتوفر فيه عناصر جريمة الملاحقة، الناتجة عن سياسة التمييز المنهجي ضدنا والتي ترتقي إلى مستوى جريمة دولية وفق ميثاق روما، وجريمة الملاحقة تعتبر واحدة من الجرائم ضد الإنسانية، ولذلك عندما نلوح بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية في "لاهاي"، فإن ذلك لم يعد مجرد فقاعات إعلامية وشعارات.

في الماضي عندما كانت تهدد قياداتنا بالتوجه للمحاكم الدولية، لم تستند هذه التهديدات إلى رصيد وقاعدة قانونية، لأن التوجه للمحاكم الدولية يشترط وقوع جريمة دولية، وحتى ندخل كفلسطينيي 48 إلى مصاف صلاحية المحكمة الدولية، يجب أن يرتقي التمييز ضدنا إلى مرتبة جريمة دولية، لأن التمييز العادي في دولة عادية يتم معالجته من خلال لجان الأمم المتحدة ذات الاختصاص.

ما حصل اليوم أن هناك جريمة دولية مكتملة الأركان ومن الممكن إثباتها، وهذا يعني أن قضيتنا دخلت إلى مصاف محكمة الجنايات الدولية وأصبحت من صلاحية محكمة "لاهاي" البت فيها.

"عرب 48": أشرت أيضا إلى أن "خطة ليفين" وتقليص صلاحيات العليا وربما تحييدها، ينزع عن إسرائيل الدرع الذي كان يحميها من المحاكم الدولية والمتمثل بالمحكمة العليا..

خوري - بشارات: صحيح، حتى اليوم العليا أوقفت الكثير من الدعاوى الدولية ضد عسكريين وقادة إسرائيليين، لأن الادعاء الرائج بأن هناك محكمة مستقلة ومهنية في إسرائيل، بالنظر إلى أن العليا وقضاتها وخصوصا أهرون باراك يتمتعون بسمعة عالمية كبيرة.

كذلك فإن "المبدأ القانوني المكمل" يقول إن محكمة الجنايات الدولية هي مكملة للمحاكم الوطنية، فإذا كان في الدولة ذات العلاقة محاكم تقوم بواجبها القضائي في المحاكمة فإن المحكمة الدولية لا تتدخل في هذه الحالة، وهو ما كان قائما كل الوقت بالنسبة لإسرائيل ولن يكون قائما بعد "خطة ليفين".

كما أن هناك مبدأ "حق التوجه للقضاء" وهو مبدأ أساسي في القانون الدولي، فإذا لم تتوفر المحكمة المناسبة في نطاق الدولة الوطنية يمكن التوجه للمحاكم الدولية، ما يعني أن إسرائيل تضر بنفسها كثيرا عندما تمس بالعليا.

"عرب 48": "خطة ليفين" ستكشف عورة الديمقراطية الإسرائيلية..

خوري - بشارات: سيتضررون دوليا بشكل كبير، هم كمن يطلق النار على رجليه، أنا درست خارج البلاد وعشت خارج البلاد وأعرف مقدار الحماية الذي وفرته المحكمة العليا واسم أهارون باراك في وجه الدعاوى الدولية، وهي من جهة ثانية كانت تخفي وتغطي عبر تفسيراتها وتأويلاتها القانونية على الكثير من الفظائع وتشرعن أخرى.

"عرب 48": السؤال الجوهري هل نستطيع نحن فلسطينيي 48 التوجه اليوم لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وما هو المطلوب لفعل ذلك؟

خوري - بشارات: هناك عائق وحيد أمامنا يتمثل في كون إسرائيل ليست عضوا في ميثاق روما، بالنسبة لفلسطينيي 67 تم التغلب على هذا العائق بعد الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة وإن كانت بصفة مراقب، فقد استطاعت أن تنضم إلى "ميثاق روما".

وحتى نتغلب نحن على هذا العائق يفترض أن نتوجه إلى مجلس الأمن، الذي يستطيع أن يحيل بدوره قضيتنا إلى محكمة الجنايات الدولية، وهنا ربما نصطدم بالفيتو الأميركي الجاهز دائما لحماية إسرائيل.

"عرب 48": من الواضح أننا لن نتوجه غدا إلى لاهاي، ولكن نستطيع أن نقول إنه أصبح بيدنا شيئا فعليا نلوح به، ومن الممكن استخدامه كورقة ضغط على إسرائيل، كما أننا نستطيع التوجه إلى محكمة العدل الدولية على ما أعتقد؟

خوري - بشارات: نحن نتحدث عن قضية جنائية في القانون الدولي، ولكن في قضية محكمة العدل الدولية التي أحيل إليها مؤخرا مسألة إعطاء رأي استشاري حول شرعية الاحتلال، بإمكاننا أن نطلب رأيا استشاريا في قضية التمييز الممنهج الممارس ضدنا، وذلك ممكن عن طريق تجنيد أغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعكس محكمة الجنايات الدولية التي يجب أن تمر عن طريق مجلس الأمن.

لكن في كلتا الحالتين، نحن تحتاج لتحقيق هذا الغرض إلى لوبي دولي في الجمعية العامة، بمعنى أن القضية تحتاج إلى عمل على الساحة الدولية وحشد وتجنيد لإخراج قضيتنا كفلسطينيين في مناطق 48 من دائرة قضية إسرائيلية داخلية إلى القضاء الدولي.


د. هالة خوري - بشارات: محاضرة وباحثة في القانون، متخصصة بالقانون الدولي العام والجنائي، وهي عميدة كلية الحقوق في حرم حيفا الجامعي التابع للكلية الأكاديمية "أونو"، وعضو إدارة "عدالة" - المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية.

التعليقات